تتكاثر اليوم المشروعات الرقمية التي تسعى لخدمة القرآن الكريم وعلومه، وهي جهود مباركة تستحق التقدير والدعم. لكن العبرة ليست بالكثرة، بل بالنوع والجودة، وبما تقدمه هذه المشروعات من قيمة علمية حقيقية.
فالمشروع القرآني ليس مجرد موقع إلكتروني أو تطبيق جذاب، بل هو حامل لعلم يتعلق بكتاب الله. وهذا يعني أن أي خطأ فيه ليس مجرد خطأ تقني، بل قد يكون تحريفًا للمعنى أو نقلًا لرواية ضعيفة أو خلطًا بين الأقوال.
المرجعية ضمان للصحة والثقة
من هنا تظهر أهمية المرجعية العلمية، التي تعني أن يُبنى المشروع على مصادر محققة وموثوقة، وأن يكون لكل معلومة أصل يُرجع إليه، وأن تُراجع النصوص مراجعة دقيقة من أهل الاختصاص.
فالمرجعية ليست ترفًا أكاديميًا، بل هي ضمان لصحة المحتوى، وطمأنينة للمستخدم، وحماية للمشروع من الوقوع في الأخطاء التي قد تشوه سمعته أو تُفقده الثقة.
توحيد المنهج وتنظيم العمل
عندما يعتمد المشروع على مرجعية واضحة، فإن هذا يعني أن فريق العمل كله يسير وفق منهج موحد. المحرر يعرف من أين ينقل، والمراجع يعرف ما يفحص، والمبرمج يعرف كيف يهيكل البيانات، والمشرف يعرف كيف يقيّم الجودة.
كذلك فإن المرجعية تمنح المشروع القدرة على النمو، لأن البناء على أساس متين يتيح التوسع في المحتوى دون خوف من التناقض أو الاضطراب، ويسهّل إضافة أقسام جديدة أو ربط موضوعات بعضها ببعض.
مخاطر غياب المرجعية
على النقيض من ذلك، فإن المشروعات التي تُهمل المرجعية تبدأ قوية ثم سرعان ما تظهر فيها الثغرات. قد تجد تفسيرًا منسوبا لغير قائله، أو حديثًا ضعيفًا يُعرض دون تنبيه، أو خلافًا في رواية القراءات دون توضيح.
الثقة هي رأس مال المشروعات القرآنية، والثقة لا تُكتسب إلا بالدقة والأمانة العلمية، وهذا لا يتحقق إلا بوجود مرجعية تضبط العمل من أوله إلى آخره.
الشفافية في المنهج
من جوانب المرجعية أيضا أن تكون طريقة جمع المعلومات واضحة وشفافة. المستخدم يريد أن يعرف: من أين جاءت هذه المعلومة؟ هل هي من كتاب محقق؟ هل راجعها متخصص؟ هل هناك إسناد لها؟
ويدخل في المرجعية كذلك أن يُذكر المشروع منهجه في التعامل مع الروايات المختلفة، وفي اختيار الأقوال، وفي عرض الآراء المتعددة، بحيث يكون الأمر واضحًا للجميع، لا ملتبسًا ولا غامضًا.
المرجعية أساس البقاء والتأثير
المشروعات الجادة تضع المرجعية في صلب تخطيطها، وتستشير المتخصصين قبل البدء، وتجعل المراجعة العلمية خطوة أساسية في كل مرحلة من مراحل العمل.
ولعل من أعظم ما يحفظ المشروع هو أن يُدرك القائمون عليه أن خدمة القرآن أمانة ثقيلة، وأن النجاح الحقيقي ليس في عدد التحميلات أو المشاهدات، بل في صحة ما يُقدم ونفعه.
توصيات للقائمين على المشروعات القرآنية
لضمان بناء مشروع قرآني على أساس علمي متين، يُنصح القائمون على هذه المشروعات بما يلي:
- أولًا: تحديد المصادر المعتمدة في المشروع قبل البدء، واختيار الكتب المحققة والمراجع الموثوقة في كل تخصص.
- ثانيًا: تشكيل لجنة علمية متخصصة تشرف على المحتوى، وتراجع كل ما يُنشر، وتضع ضوابط واضحة للنقل والاقتباس.
- ثالثًا: توثيق كل معلومة بذكر مصدرها الأصلي، وتوضيح المنهج المتبع في التعامل مع الاختلافات والروايات المتعددة.
- رابعًا: الاستعانة بأهل الاختصاص في كل علم، فالتفسير لأهله، والقراءات لأهلها، والحديث لأهله، وهكذا في كل فن.
- خامسًا: المراجعة الدورية للمحتوى وتحديثه، والاستجابة لملاحظات المستخدمين والباحثين، وتصحيح الأخطاء فور اكتشافها.
إن المرجعية العلمية ليست عائقًا أمام الإبداع ولا عبئًا يجب التخلص منه، بل هي السياج الذي يحمي المشروع من الزلل، والقاعدة التي يُبنى عليها صرح متين، والمنهج الذي يضمن بقاء المشروع مفيدًا ومؤثرًا على المدى البعيد.