يواجه صناع المحتوى القرآني اليوم واحدة من أعقد المشكلات التقنية والقانونية على منصة يوتيوب: وهي ادعاءات حقوق الملكية (Copyright Claims) التي تُفرض على مقاطع التلاوات القرآنية، سواء كانت تلاوات كاملة أو آيات مقتطعة وُضعت ضمن محاضرة أو درس أو محتوى إسلامي آخر.
تتلخص مشكلة حقوق القرآن الكريم في أن كثيرًا من المقاطع القرآنية تُسجَّل عليها مطالبات ملكية من شركات تجارية لا تملك في الحقيقة أي تفويض من القرّاء ولا من الجهات الشرعية أو الحكومية المختصة. وفي بعض الحالات يصل عدد الجهات المدّعية إلى أكثر من 15 جهة على مقطع واحد! هذا بدوه يؤدي لاقتسام العائدات المالية دون أي سند قانوني أو شرعي.
كيف تعمل منظومة ID-Content في يوتيوب؟
يعتمد يوتيوب نظامًا آليًا يسمى ID Content، وهو نظام متقدم يمنح الشركات الكبرى القدرة على تسجيل ما لديها من مواد صوتية ومرئية لإثبات ملكيتها. وعند رفع أي فيديو، يقوم النظام بتحليل المحتوى تلقائيًا، ويطابقه مع المواد المسجّلة.
وحين تكون التلاوات القرآنية مسجَّلة داخل هذه المنظومة من قِبَل شركات أو استوديوهات -وغالبها غير مخوَّل من القرّاء- فإن أي محتوى يحتوي على آية قرآنية واحدة فقط، يتعرض مباشرةً للإجراءات التالية:
- ادعاء ملكية (Claim)
- وضع إعلانات على المقطع بالكامل لصالح الجهة المدعية
- تقييد وصول القناة أو تعريضها لإغلاق في حال تعدد المخالفات
والكثير من شركات إنتاج الصوتيات التجارية سجّلت مواد قرآنية ليست من إنتاجها، بل ادعت ملكيتها لأغراض الربح فقط.
جذور المشكلة
تنحصر المعضلة الأساسية في نقطتين:
- النقطة الأولى: غياب جهة موحدة تمثل القرّاء وتمتلك حقوق تلاواتهم رسميًا
- النقطة الثانية: استغلال شركات تجارية للفراغ القانوني، فتسجّل التلاوات ضمن نظام يوتيوب باعتبارها "أعمالًا صوتية" تملك حقوقها
وبسبب ذلك يضطر أصحاب القنوات الإسلامية، ومنصات تعليم القرآن، والمؤسسات الوقفية إلى التعامل مع مئات وآلاف الادعاءات، مع إجراءات اعتراض طويلة ومرهقة ومعرّضة للرفض.
الحل المقترح: طريقة عملية وقابلة للتنفيذ
أولًا: حصر المواد التي تظهر عليها إشعارات ملكية
وذلك عبر تحليل منهجي للقنوات والمشاريع التي تبثّ التلاوات، وجمع كل المقاطع المتأثرة، وتصنيفها حسب القارئ والجهة المدعية وطبيعة الادعاء.
ثانيًا: إنشاء جهة مرخّصة قانونيًا لتجميع ملكية التلاوات
هذا هو جوهر الحل. يُفترض التواصل المباشر مع القرّاء والمشايخ وأصحاب الحق الأصلي، للحصول على تفويض قانوني صريح يسمح لجهة معينة بامتلاك حقوق بث وإدارة المحتوى القرآني الخاص بهم. ويمكن أن تكون الهيئة الممثلة:
- جهة حكومية
- وقف متخصص
- جمعية مرخّصة
- شركة إدارة محتوى غير ربحية
بعد تجميع التفويضات، تُسجل هذه الجهة جميع التلاوات في منظومة ID-Content بصفتها المالك الحقيقي، وتقدم لوزارة الإعلام لإصدار صكوك ملكية معتمدة. وهذا الإجراء معمول به عالميًا في الكتب والأعمال الصوتية والمرئية.
بهذا يصبح لدينا سند قانوني رسمي يواجه أي ادعاء من أي شركة مهما كان حجمها أو نفوذها.
ثالثًا: المسار القانوني لاسترداد الحقوق من الشركات المدعية
بعد تأسيس الجهة الممثلة للقرّاء، يمكن اتباع مسار قانوني واضح:
- تقديم اعتراضات رسمية مبنية على صكوك الملكية والتفويضات.
- طلب نقل ملكية المواد داخل نظام ID-Content من الشركات المدعية إلى الجهة المخولة رسميًا.
- متابعة الشركات التي استغلت التلاوات بغير حق والمطالبة بتعويض أو استعادة العائدات إن لزم.
وعند توفر المستندات القانونية الصحيحة، يصبح مسار الانتزاع من الشركات أسهل بكثير وأكثر قوة.
لماذا نحتاج إلى صبر وطول نَفَس؟
لأن المشكلة:
- تمتد عبر سنوات طويلة
- وفيها آلاف المقاطع المسجلة
- وتدخل فيها شركات متعددة الجنسيات
- وتحتاج إلى جهد قانوني وإداري وتقني متواصل
لكن التفويض الرسمي من القرّاء هو أقوى خطوة عملية لحل المشكلة جذريًا، لأنه يجعل الجهة المخوَّلة هي الوحيدة التي تمتلك "السند الشرعي والقانوني" لرفع التلاوات أو حذف الادعاءات أو إدارتها تجاريًا.
ختامًا: إنّ حماية التلاوات القرآنية على الإنترنت ليست مسألة تقنية فحسب، بل هي مسؤولية شرعية ومجتمعية لضمان عدم استغلال كلام الله لأغراض تجارية غير مشروعة، ولضمان وصوله للمسلمين دون تشويه أو تعطيل.
كما أن تأسيس كيان موحد لحفظ حقوق القرّاء وإدارة تلاواتهم ضمن إطار قانوني رسمي هو الحل القابل للتطبيق، وهو الطريق الذي ينبغي أن تتكاتف فيه الجهود الحكومية، الوقفية، التقنية، والإعلامية لضمان عودة الحقوق لأصحابها ورفع الظلم الواقع على القنوات الإسلامية.