تعاني التطبيقات القرآنية اليوم من مشكلة جوهرية تتمثل في انتشار المحتوى مصحوبًا بأخطاء متكررة، تتنقل بين التطبيقات دون وجود آلية واضحة للتدقيق أو التحديث. وعلى الرغم من حسن النية في نشر المحتوى وإتاحته للناس، إلا أن الأسلوب غير المنظم في تناقله يؤدي إلى تعدد النسخ، وتشتت الجهود، وغياب المرجعية والمنهجية الموحدة للمراجعة والتصحيح.
هذا المقال يوضح أهمية وجود نماذج لنظام متكامل لإدارة المحتوى القرآني، تحقق التوازن بين إتاحة المحتوى و ضمان جودة تحديثاته، ويعالج مشكلة الفوضى في تداوله عبر التطبيقات.
أولًا: مشكلة تناقل المحتوى خارج الإطار المنظم
غالبية التطبيقات تعتمد على نسخ مأخوذة من مواقع أو مكتبات أو تطبيقات أخرى، دون العودة إلى المصدر الأصلي أو الاطلاع على التعديلات اللاحقة. وعند اكتشاف الأخطاء من قِبل المستخدمين، تصل الملاحظات إلى التطبيق فقط وقد يقوم مطور التطبيق بالتعديل وقد لا يقوم بذلك ولو قام بالتعديل فإن التصحيحات لا تعود إلى المنتج أو الجهة المالكة للمحتوى، مما يؤدي إلى:
• تعدد النسخ غير الرسمية.
• اختلاف المحتوى من تطبيق لآخر.
• تكرار الأخطاء وعدم إصلاحها.
• فقدان الجهة المنتجة للمحتوى القدرة على تطويره أو الاستفادة من التغذية الراجعة.
بهذه الطريقة ينتشر المحتوى، لكن يفقد صلاحيته مع مرور الوقت.
ثانيًا: ما الذي تفعله المنصات الناجحة؟
هناك نماذج محترفة لإدارة المحتوى يمكن الاستفادة منها:
1. الدرر السنية
- توفر المحتوى كاملًا على موقعها.
- لديها منظومة دقيقة لمعالجة الأخطاء وتحديث المحتوى.
- تعرض النص للعموم ولكنها تحافظ على النسخة الرسمية داخل النظام لضمان جودة التحديثات.
2. مركز تفسير للدراسات القرآنية
- يعمل على مراجعة وتحقيق المحتوى العلمي وتقديمه في صورة دقيقة ومنظمة.
- يراجع النصوص باستمرار ويصدر تحديثات علمية مصححة.
- المحتوى يُتاح للقراءة والاستفادة، لكن عمليات المراجعة تبقى مركزية ومنضبطة.
3. منصة Qur’an Enc (قرآن إنك)
- تقدم ترجمات القرآن الكريم بعد مراجعتها من متخصصين متقنين للغات المختلفة.
- تتلقى الملاحظات حول الترجمات عبر آليات رسمية، ويعاد النظر فيها دوريًا.
- أي جهة تستخدم المحتوى من خارج قنوات Qur’an Enc الرسمية لن تحصل على التعديلات والتحسينات اللاحقة.
هذه الأمثلة توضح أن قضية الإتاحة ليست مشكلة؛ المشكلة الحقيقية هي: كيف نضمن أن تكون النسخة المتداولة صحيحة، محدّثة، ومراجعة باستمرار؟ إلى قناة رسمية تضمن جودة المحتوى واستمرارية تطويره.
ثالثًا: الحاجة الملحة لنظام إدارة المحتوى (Quranic CMS)
إن وجود نظام متكامل لإدارة المحتوى ليس وسيلة للمنع أو الاحتكار، بل وسيلة لضمان:
جودة المحتوى واستمرارية تحسينه
المحتوى القرآني -كالتفاسير والترجمات- ضخم جدًا ومعرض للأخطاء بحكم كونه عملاً بشريًا.
وجود منصة واحدة مرجعية يساعد في اكتشاف الأخطاء ومعالجتها بشكل موحد.
وصول التحديثات للجميع بشكل مستمر
كما تصل الأخطاء للمطورين عبر المستخدمين، ينبغي أن تصل إليهم التحديثات أيضًا.
حيث لا يعقل أن يعرف مطور أن هناك خطأ في محتواه… ولا يعرف أن هناك إصلاحًا صدر لاحقًا!
الاستفادة من طاقات الجمهور
المستخدم النهائي هو أكبر مصدر لاكتشاف الأخطاء من خلال نظام تغذية راجعة فعال يمكن جمع الملاحظات وتصنيفها ومعالجتها بشكل مركزي، ليستفيد منها الجميع.
كذلك فإن المستخدم النهائي الذي ساعد في اكتشاف الخطأ وتكلف بالإبلاغ عنه ورغب في تصحيحه ينبغي أن يقابل جهده بالشكر ويحصل التفاعل معه بطريقة إيجابية تشجعه على الاستمرار في تطوير وتحسين المحتوى بالإبلاغ عن الأخطاء الواقعة فيه وتطمينه أن هذه الأخطاء فد عولجت وصححت وأنه هو السبب الأكبر في هذا العمل كل هذا من خلال منظومة إدارة المحتوى.
رابعًا: نموذج العمل المتكامل المقترح
لضمان جودة المحتوى وانتظامه، نحتاج إلى منظومة ثلاثية العناصر:
أ. نظام إدارة المحتوى (CMS)
- يحفظ المحتوى وطبقاته المختلفة.
- ينظم آلية استقبال الملاحظات والمراجعات وآلية تعديل الأخطاء والرد على الجمهور.
- يقدّم نسخة رسمية موحدة قابلة للتحديث يشعر بها المطور الذي استخدم المحتوى في تطبيقه ويشعر بها المستخدم النهائي الذي يتلقى هذا المحتوى عبر تطبيق من التطبيقات القرآنية.
ب. التطبيقات والمطورون
- يستهلكون المحتوى عبر قنوات رسمية (API).
- يستقبلون التحديثات بشكل دوري.
- يساهمون في تحسين المحتوى من خلال جمهورهم بربط البلاغات بمصدر المحتوى بشكل مباشر.
ج. المستخدم النهائي
- يبلّغ عن الأخطاء عبر قنوات موحدة.
- تصبح ملاحظاته جزءًا من عملية التطوير.
د. إنشاء نظام مطور كي للتغذية الراجعة من الجمهور
بحيث لو استخدم عدد من التطبيقات محتوى معين من نظام ما فإن البلاغات التي تصل من الجمهور يجب أن تصل عبر هذه التطبيقات لنظام إدارة المحتوى حيث يقوم العاملون عليه بتحسينه وتطويره
خامسًا: ما الذي نريد توجيه الناس إليه؟
الغرض من هذا الخطاب ليس إصدار أحكام فقهية حول جواز أخذ المحتوى أو عدمه؛بل توجيه المجتمع إلى الطريقة الصحيحة لإدارة المحتوى:
- المحتوى القرآني يجب أن يبقى متاحًا لجميع المسلمين.
- لكن نشره يجب أن يتم من خلال آلية موحدة تضمن الجودة.
- التطبيقات يجب أن تستفيد من المحتوى… وتفيد في تحسينه.
- الجهة المنتجة للمحتوى يجب أن تحصل على الملاحظات من كل مكان.
- المستخدم يجب أن يكون جزءًا من عملية التطوير، لا مجرّد متلقٍّ وينبغي أن يشجع على الاستمرار بشكره والتفاعل الإيجابي مع بلاغاته وما حصل من إجراءات على المحتوى بسببها.
خاتمة
إن إنشاء نظام متكامل لإدارة المحتوى القرآني خطوة تأسيسية لبناء بيئة تقنية موحدة تخدم القرآن الكريم بطرق أكثر فعالية وجودة.
المحتوى سيبقى مفتوحًا، لكن انتشاره يجب أن يكون منظّمًا يضمن:
- نسخة واحدة موثوقة.
- تحديثات تصل للجميع.
- محتوى متطور باستمرار.
- استفادة متبادلة بين المطورين والمستخدمين.
- خدمة قرآنية أكثر نضجًا واتساقًا عبر جميع التطبيقات.
نسأل الله أن يوفق الجميع لخدمة كتابه بالمنهجية والإتقان اللذين يليقان به.