لا شك أن التطور الهائل للذكاء الاصطناعي فتح أبوابًا واسعة أمام المهتمين بالدراسات القرآنية والتقنيات المتعلقة بها، وقدم فوائد جمّة في مجالات متنوعة سهّلت الوصول إلى النصوص القرآنية وفهمها بطرق لم تكن ممكنة من قبل.
ومن أبرز المجالات التي يفيدنا فيها دمج الذكاء الاصطناعي مع تطبيقات القرآن الكريم:
1. البحث الذكي
يتجاوز البحث الذكي المدعوم بالذكاء الاصطناعي الطرق التقليدية للبحث القائمة على مطابقة الكلمات المفتاحية، ليقدّم فهمًا أعمق لسياق الآيات ومعانيها. فهو يتيح تحليل النصوص والبحث عن المفاهيم والمصطلحات والأنماط اللغوية دون الحاجة إلى استخدام كلمات محددة.
على سبيل المثال، يمكن للباحث أن يستعلم عن مفهوم مثل"الصدق" أو "الحكمة" ليقوم النظام بعرض كل الآيات ذات الصلة، حتى لو لم ترد فيها الكلمة حرفيًا وذلك بالاعتماد على الفهم الدلالي للسياق.
2. الترجمة
يساعدنا الذكاء الاصطناعي في ترجمة القرآن الكريم للغات متعددة، وتحسين دقة الترجمات من خلال فهم السياق واستنباط المعاني الضمنية للكلمات، وعرض الفروق الدقيقة بين المترادفات، لتقديم ترجمة أقرب لمعنى النص الأصلي.
3. الفهرسة
طوّر الذكاء الاصطناعي أساليب الفهرسة التقليدية وجعلها أكثر ديناميكية وسهّل الوصول للآيات القرآنية، فمن خلال توظيف تقنيات معالجة اللغات الطبيعية، يمكن تصنيف الآيات القرآنية بناءً على موضوعاتها مثل العقيدة والأحكام والقصص والعبادات وغيرها. وبهذا يمكن للباحثين الوصول السريع والمباشر إلى الآيات المتعلقة بموضوع بحثهم.
ماذا عن التفسير؟
يمكن أن يكون الذكاء الاصطناعي أداةً قويةً جدًا في المجالات آنفة الذكر، لكن ماذا عن مجال دقيق مثل التفسير، هل يمكن الوثوق بنماذج الذكاء الاصطناعي لتفسير الآيات القرآنية وتحليل معانيها؟
ألا يُخشى أن ترتكب هذه النماذج الذكية أخطاءً محتملة للنصوص القرآنية التي تحمل معاني دقيقة أو سياقًا فقهيًا خاصًا وتفسّرها على هواها نتيجة ظاهرة الهلوسة Hallucination التي تعاني منها أحيانًا، أو تجتزئ المعنى من السياق الكامل.
على سبيل المثال قد لا يخبرك الذكاء الاصطناعي عند تفسير آية {فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ} الماعون(4) بالسياق الكامل للمعنى وبأن الويل والعذاب هنا ليس للذين يصلون عمومًا، بل هو للذين هم {عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ}، ولا يوضح لك اختلاف المفسرين في تأويل معنى {سَاهُونَ} والمعاني المختلفة المحتملة لها.
كما أن الذكاء الاصطناعي قد لا يتمكن من ربط تفسير بعض الآيات بسبب النزول فلا يصل تفسيرها الدقيق لك، على سبيل المثال طلبت من أحد النماذج أن يفسّر لي الآية الكريمة { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَّكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ ۚ} التغابن(14) ويوضح سبب النزول، فلم يتمكن من توفير إجابة واضحة وأعطاني هذه الإجابة العامة التي لم تساعدني على فهم الآية ومقصدها الدقيق.

بالمقابل عند بحثي عن معناها في التفاسير التي يوفرها مشروع المصحف الإلكتروني بجامعة الملك سعود فهمت الآية بشكل أفضل وعرفت فيمن نزلت وتمكنت من فهم مقصدها الدقيق.
ولعلّ مخاطر الاعتماد على الذكاء الاصطناعي في تفسير المعاني القرآنية تبرز بشكل أوضح عند التعامل مع نصوص حساسة تتطلب فهمًا عميقًا للغة العربية والبلاغة القرآنية، وأسباب النزول والسياق التاريخي والاجتماعي للآيات، ومن الضروي أن يترافق دمج أدوات الذكاء الاصطناعي في هذه الحالة مع خبرة بشرية متخصصة في علوم القرآن لضمان تفسير متوازن ودقيق يراعي المقاصد الشرعية والمعاني الكاملة دون اجتزاء أو تحريف.
شاركني رأيك
- هل تعرف تطبيقات قرآنية نجحت فعلًا في توظيف الذكاء الاصطناعي لتحسين وظائفها كالفهرسة أو البحث الذكي؟
- برأيك، هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يتطور ليشارك في التفسير، أم أن الخطأ فيه سيظل واردًا مهما بلغ من تقدم وبالتالي لا غنى عن التدقيق البشري؟
- هل يمكننا كمطورين وباحثين تعزيز قدرات الذكاء الاصطناعي في تفسير النصوص القرآنية مع الحفاظ على خصوصيتها ودقة معانيها؟
بانتظار مشاركاتكم وتجاربكم.