أمسكت هاتفي لمراجعة محفوظي، وبمجرد أن بدأت تدبر الآيات بكل خشوع حتى قطع ذلك إشعار لرسالة ومكالمة فائتة، وإعلان، وإذا بحضوري الذهني وخشوعي يتراجع.
وقتها توجهت إلى مصحفي الورقي، فعادت السكينة والخشوع، وعندها تساءلت: هل المشكلة في الوسيط الرقمي أم في بيئته أو عادات استخدامنا له؟
أثر الوسيط على التدبر والحفظ
تشير أبحاث علم النفس المعرفي إلى أن وسيط القراءة يؤثر مباشرة على الفهم والذاكرة:
ففي دراسة جامعة ستافنجر (2019) توصلوا إلى أن: القراء الورقيون أفضل في تحديد موقع الأحداث وتسلسل القصة
وهو ما أكدته دراسة في عام (2013) حيث أكدت أن: الطلبة الذين قرأوا على الورق تجاوزوا من قرأ على الشاشة في اختبارات الفهم
لكن وفي المقابل لا يمكننا أن نغفل أثر التطبيقات الرقمية وما تتيحه من بيئة تفاعلية دون إحراج للمتعلم إن لم يكن سريع الإدراك أو أراد التكرار أو كانت لديه احتياجات خاصة، فيحصل على:
- تكرار دون ملل
- وتفسير صوتي إلى جانب الكتابي
- وما يصنعه من ربط بين المعلومات لاستخدامه أكثر من حاسة لاستقبال المعلومة
- ويجد ما يلبّي حاجته وإن كان من ذوي الهمم.
فهناك دراسات حديثة أظهرت أن التطبيقات التفاعلية حسنت مهارات القراءة والفهم لدى الطلاب (دراسات سعودية وعمانية وأردنية).
فهذا يعني أن الوسيط الورقي يمنح القارئ تركيزًا واستقرارًا، بينما الوسيط الرقمي يحتاج إلى تصميم خاص يعوّض محدوديته، ويستثمر إمكاناته الإضافية.
بيئة الاستخدام وتأثيرها على الخشوع
يقول الله تعالى: ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ﴾، لذا إن كان الوسيط إلى التدبر هو الشاشة الإلكترونية المحاصرة بالمشتتات، فقد يتحوّل التدبر من لحظة صفاء إلى مجرد عملية سريعة وسط ضجيج الشاشات.
فمجرد وصول إشعار للهاتف، حتى من دون فتحه، يضعف الانتباه ويجزّئ الإدراك، كما أن ثقافة التمرير السريع والفيديوهات القصيرة تُدرّب العقل على الاستهلاك السطحي بدلاً من التأمل العميق.
ففي مثل هذه البيئة، يصبح الخشوع مهددًا؛ فكيف يجتمع حضور القلب مع ذهنٍ مأخوذ بتتابع الإشعارات؟!
مواصفات عملية لمصحف رقمي خاشع
مصدر نصي موثوق ومعلن: اعتماد نصوص محققة مثل: Tanzil أو مجمع الملك فهد، مع سجل تغييرات شفاف.
وضعية "القراءة الخاشعة" كإعداد افتراضي: بواجهة نقية خالية من العناصر غير الضرورية، وتعطيل الإشعارات تلقائيًا أثناء القراءة، مع محاكاة الطابع الورقي بقلب الصفحات بدلًا من التمرير.
خلو كامل من الإعلانات: باعتماد نماذج تمويل بديلة: كالوقف الرقمي، أو اشتراكات رمزية، أو تبرعات طوعية.
دعم الطباعة والنسخ والخرائط الذهنية: إتاحة نسخ أجزاء أو صفحات أو آيات، وتبنّي نظام خرائط ذهنية توضح هوية الصفحة، بما يمدّ جسرًا بين المصحف الورقي ونظيره الرقمي.
وضع الحفظ الذكي دون اتصال: تمكين الحفظ الصوتي والنصي في وضع عدم الاتصال بالشبكة، مع خاصية المزامنة لمتابعة التقدّم ومشاركته مع معلم أو مشرف.
شروح موجزة قابلة للطي: إضافة تفسير مختصر، وغريب القرآن، مع طرح أسئلة للتأمل أو تدريبات ذهنية، في قائمة جانبية قابلة للطي.
خريطة المتشابهات: عرض الآيات المتشابهة معًا للمقارنة والربط، مع الاستفادة من كتب المتشابهات لبناء قواعد البيانات.
لوحة تحكم للمشايخ والمؤسسات: واجهة خاصة للجهات الشرعية لإصدار مواد معتمدة ودورات تعليمية.
التقنية اليوم تعتبر جزء من الواقع. وإدخال القرآن فيها يتطلب وجود وعي عالٍ بالوسيط والبيئة. فالخشوع ممكن في البيئة الرقمية إذا وُجد نص موثوق، وتصميم نقي، وتمويل وقفي.
فمن وجهة نظركم كيف يمكننا أن نُحسّن تجربة المصحف الرقمي ليعين على التدبر والخشوع؟