مرحبًا مجتمع إتقان،
سأتناول اليوم موضوعًا أساسيًا لكل مطور يسعى لبناء باحث قرآني متقدم وهو توضيح الفرق بين البحث النصي التقليدي المعتمد على مطابقة الكلمات والبحث الدلالي الذي يتجاوز مجرد مطابقة الكلمات ليصل إلى فهم جوهر المعنى.
أساليب البحث في القرآن الكريم
يمكن تقسيم أساليب البحث في القرآن الكريم إلى نوعين رئيسين:
- البحث النصي التقليدي الذي يركّز على بنية الكلمات والجذور.
- البحث الدلالي الذي يسعى لفهم المعنى والسياق.
- الأسلوب الهجين: دمج البحث النصي والدلالي
لنتعرف على آلية عمل كل طريقة، وما أبرز مميزاتها وعيوبها مع الأمثلة العملية
أولًا: أسلوب البحث النصي
لا يزال البحث النصي حجر الزاوية في كثير من التطبيقات القرآنية، ويأتي بعدة أشكال مثل:
البحث النصي البسيط Text Search
أبسط شكل للبحث يعتمد البحث بالكلمة المباشرة أي على مطابقة الحروف للعثور على كلمة معينة فلو بحث عن كلمة الرحمة ستظهر لك كل الآيات التي وردت فيها الكلمة بهذا الشكل تمامًا. وقد اعتمدت كثير من التطبيقات الأولى على هذا النمط.
البحث بالجذر Root Search
الجذر هو أصل الكلمة دون أي زوائد أو ملحقات، وهو يتكون من الحروف الأصلية التي ترجع إليها الكلمة، يتكون الجذر غالبًا من ثلاثة أحرف نحو "ك ت ب" وهناك بعض الجذور المكونة من أربعة أحرف نحو "د ح ر ج" أو حتى خمسة أحرف.
تعتمد معظم تطبيقات البحث القرآني اليوم على أسلوب البحث بالجذر، فتتيح للباحث العثور على كافة الاشتقاقات اللغوية لجذر معين، مثلًا عند البحث عن الجذر "ع ل م" سيعطيك نتائج مثل: "علم"، "يعلمون"، "عليم"، "علّّام".
تظهر الصورة التالية مثالًا على أسلوب البحث بالجذر التي يوفرها الباحث القرآني tafsir، فعند البحث عن الجذر "ع ل م" في سورة "يوسف" سنحصل على كل الآيات التي تتضمن كلمة مشتقة من هذا الجذر.

البحث بالنمط Pattern Search
يعتبر النمط بمثابة القالب الذي تسكب فيه الكلمة لتشكل على هيئة تسلسل من الأحرف المتحركة والساكنة وتعطي كلمة جديدة ذات معنى محدد، توفر بعض تطبيقات البحث القرآنية الحديثة ميزة البحث عن الكلمات التي تتبع نفس الوزن أو النمط.
تظهر الصورة التالية أسلوب البحث بالنم الذي توفره منصة QuranMorphology، فإذا بحثنا كلمة "بَعُوضَةً" على سبيل المثال فإن المنصة ستحلل الكلمة إلى حروفها وعلامات تشكيلها على النحو التالي: بَ - عُ - وْ - ضَ - ةً
بعدها يمكن البحث عن نمط الحروف أو نمط التشكيل فقط (فتحة + ضمّة + سكون+ فتحة + تنوين) بغض النظر عن الحروف نفسها لتظهر كلمات تشترك في نفس ترتيب الحركات والتشكيل نحو "مَثُوبَةً" و"حَمُولَةً"

البحث الصرفي Morphological Search
يعد أكثر أشكال البحث النصي شمولية وتطورًا، حيث يتيح البحث وفق العديد من الحالات الصرفية وتحديد شروط لغوية دقيقة كنوع الكلمة (صفة، اسم مفعول، واسم فاعل.. ) وإعرابها (مبتدأ، خبر، فاعل، مفعول به.. ) وحركتها (منصوبة، مرفوعة، مجرورة.. ) وعددها (مفرد، مثنى، جمع) وأي خصائص صرفية أخرى لتضييق البحث على شكل محدد.
تظهر الصورة التالية ميزة البحث الصرفي التي توفرها منصة QuranMorphology فبالبحث عن الصفات المشتقة من الجذر "ع ل م" في سورة "يوسف" نحصل على كل آيات السورة التي تتضمن صفة مشتقة من الجذر المطلوب:

مميزات وحدود البحث النصي
يتميز البحث النصي في القرآن الكريم بسرعته ودقته اللغوية، إذ يمكّن الباحث من الوصول إلى جميع المواضع التي وردت فيها كلمة أو جذر بعينه دون التباس. وهذا يجعله أداة لا غنى عنها في الفهارس والدراسات الإحصائية.
لكن محدوديته تظهر في أنه أعمى دلاليًا، أي أنه يتوقف عند حدود الشكل اللغوي للكلمة ولا يستطيع الربط بين المفاهيم المترادفة أو القريبة في المعنى فهو لا يستطيع على سبيل المثال الربط بين "الإنفاق" و"الصدقة"، أو بين "العلم" و"البصيرة"، أو حتى بين "القلب" و"الفؤاد"، لأن كل منها ينتمي إلى جذر مختلف.
وهنا يأتي دور البحث الدلالي Semantic Search الذي يتجاوز القيود الشكلية للجذور والأوزان ليعمل على مستوى المعنى والسياق.
ثانيًا: أسلوب البحث الدلالي
يركز البحث الدلالي على فهم المعنى بدلاً من مطابقة الكلمات حرفيًا، فلو أعطيته كلمة أو آية معينة سيجلب لك الكلمات أو الآيات القريبة لها دلاليًا. وهو يمثل الجيل الأحدث من أدوات البحث في النص القرآني ويعتمد على عدة تقنيات ذكاء اصطناعي للحصول على النتائج مثل:
النماذج اللغوية الكبيرة LLMs
تستخدم النماذج اللغوية الكبيرة أو نماذج المحولات Transformers مثل BERT وAraBERT و CAMelBERT المدربة على كميات ضخمة من النصوص لفهم قواعد اللغة والسياق بشكل عميق، فهذه النماذج تستطيع التمييز بين معاني الكلمات حسب السياق، على سبيل المثال تفهم كلمة "عين" في الآية الكريمة "وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا" على أنها "ينابيع ماء"، بينما تفهم معناها في الآية الكريمة "فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا" على أنها "الإحاطة والحفظ".
التضمينات أو التمثيلات الرقمية Embeddings
تستخدم تقنيات مثل Doc2Vec وSentence-BERT لتحويل الآيات القرآنية إلى تمثيلات رقمية رياضية تشكل بصمة فريدة لكل آية تُعبِّر عن معناها وسياقها. وفي الفضاء الدلالي الناتج، ستكون الآيات ذات المعاني المشابهة قريبة من بعضها البعض
لاحظ الصورة التالية المأخوذة من دراسة بعنوان Deep Learning and Distributional Semantics for the Qur’an حيث توضح فضاء ثنائي الأبعاد 2D يتضمن كلمات من القرآن الكريم جرى تحويلها إلى متجهات عددية باستخدام نموذج Word2vec وتظهر على هيئة نقاط زرقاء. الكلمات التي تظهر في سياقات مماثلة لها متجهات متشابهة وبالتالي تكون قريبة من بعضها البعض في معناها أو سياقها القرآني مثل كلمات "جهنم" و "عذاب" و "أليم" أو كلمات "الأرض" و"السماء" و"القمر"، بينما الكلمات ذات المعاني المختلفة ستكون أبعد عن بعضها البعض.

التشابه الدلالي Semantic Similarity
يقيس قرب المعاني باستخدام خوارزميات رياضية مثل تشابه جيب التمام Cosine Similarity التي تحدد مدى قرب معنى الاستعلام من معاني الآيات، فعندما يدخل الباحث استعلام معين سيُحوَّل إلى متجه رقمي يُقارن قربه من متجهات الآيات لتعرض النتائج الأكثر صلة بالمعنى أولاً.
مميزات وحدود البحث الدلالي
يتميز البحث الدلالي بقدرته على فهم السياق بدقة أعلى والربط بين الكلمات المترادفة والمعاني القريبة ويفيد في إجراء دراسات موضوعية معمقة في النصوص القرآنية إذ يمكن للباحث مثلًا الحصول على جميع الآيات التي تتحدث عن "العدل" حتى لو وردت بصيغ مختلفة بمنتهى السهولة واليسر.
لكن تنفيذ هذا النوع من البحث يتطلب بناء تمثيلات دلالية دقيقة ويتطلب قدرات حسابية عالية، كما أن دقة نتائج هذا البحث تعتمد على جودة البيانات والتدريب فإذا لم تُدرّب النماذج المستخدمة بصورة كافية، قد تُخطئ في الفهم، فقد نجد أن النموذج قد يقترح علاقات، غير صحيحة بين الآيات وهنا تبرز ضرورة التحقق البشري من النتائح.
3-الأسلوب الهجين: دمج البحث النصي والدلالي
كما وضحت سابقًا، يمنحنا البحث النصي الدقة عند البحث عن ألفاظ محددة وجذورها، بينما يتيح لنا البحث الدلالي فهم المعنى والسياق حتى عند اختلاف الكلمات أو الصياغة.
من هنا يظهر قوة الأسلوب الهجين Hybrid Model الذي يجمع بين ميزتي البحث النصي والدلالي في تطبيقات البحث القرآني. فعند دمجهما سوف نتمكن من:
- استرجاع كل الآيات المرتبطة بالكلمة أو الجذر بدقة عالية.
- الكشف عن الآيات المترابطة دلاليًا حتى وإن اختلفت ألفاظها.
- تحويل البحث من مجرد استخراج نصوص إلى فهم أعمق للمعاني والتدبر في الآيات.
فدمج الطريقتين معًا سيمنح الباحث تجربة أكثر شمولية وغنى في البحث القرآني وعند البحث عن موضوع مثل "الإنفاق" سيوفر له البحث النصي كل مواضع كلمة "إنفاق" واشتقاقاتها، بينما يكشف له البحث الدلالي آيات تتحدث عن الصدقة والعطاء والإحسان حتى لو لم ترد كلمة "إنفاق" صراحة.
شاركنا رأيك
هل تعتقد أن دمج البحث النصي والدلالي يجب أن يكون قاعدة في جميع التطبيقات القرآنية، أم أن الأمر يعتمد على طبيعة التطبيق والغرض منه؟
هل سبق لك تجربة تطبيقات تعتمد البحث الدلالي في القرآن الكريم؟ كيف كانت دقة النتائج؟