مرحبًا مجتمع إتقان، تحدثت في موضوع سابق لي هنا عن فوائد المساهمة في المشاريع مفتوحة المصدر، ولأن هناك من يرون أن هناك صعوبات في تطبيق هذا النوع من المشاريع لهذا المجال تحديدًا ولديهم بعض التخوفات من هذا النوع من المشاريع، فسأتحدث اليوم عن أبرز التحديات التي قد تواجه أي مطور عند تطويره لتطبيق قرآني مفتوح المصدر، وسأنتظر مشاركتكم في التعليقات لمناقشة المزيد من التحديات التي ترونها.
في الواقع، التطبيقات الإسلامية وخاصةً التطبيقات القرآنية منها، صارت وسيلة أساسية لربط المسلمين بكتاب الله في أي وقت ومكان ومن مختلف الأعمار. وبما أن هناك تزايدًا في الاهتمام بالمشاريع مفتوحة المصدر، فقد ظهر توجه لبناء تطبيقات قرآنية أيضًا تحت نفس نوعية المشاريع.
ورغم أن هذا النوع من المشاريع يضفي شفافية وحرية عالية على التطبيقات المطورين حول العالم من المساهمة في تطويرها، إلا أن العمل على التطبيقات مفتوحة المصدر في مجال قرآني تحديدًا، يُعد أمرًا معقدًا نسبيًا؛ إذ تدور حوله بعض التحديات الفنية والدينية والأخلاقية والتنظيمية التي يجب أن نتحدث عنها بهذا الموضوع.
لماذا تزداد صعوبة تطوير تطبيق قرآني مفتوح المصدر مقارنةً بغيره؟
يتطلب تطوير تطبيق قرآني التزامًا أخلاقيًا ودينيًا ودقةً واحترامًا شديدين جدًا؛ إذ أن القرآن ليس مجرد محتوى عادي يظهر على الشاشة، ولا هو صوت قابل للتغيير. القرآن نص ديني يجب أن يبقى محفوظًا بنفس الدقة تحت كل الظروف، وأن يتم استخدامه وعرضه بطريقة صحيحة لا تسيء إليه بأي شكل من الأشكال سواءً من الناحية الدينية أو القانونية.
ما هي التحديات الفعلية لتطوير تطبيق قرآني مفتوح المصدر؟
نستطيع ذكر التحديات الآتية:
دقة المحتوى
كما ذكرت بالنقطة السابقة، فدقة التطبيقات القرآنية ضرورة حتمية لا مفر منها، ولتجاوز هذا التحدي، ستحتاج دائمًا للاعتماد على المصادر الموثوقة للبيانات مثل: مجمع الملك فهد وأنوه هنا لضرورة الاطلاع على المورد المراد استخدامه إن كان متاح تحت رخصة مفتوحة تمكنك من استخدامه لمشروعك أم أنها تفرض قيود تمنعك من ذلك. كذلك يمكن الاعتماد على Quran.com، أو يمكنك ببساطة الدخول إلى المواقع الموثوقة التي تقدم موارد دقيقة وموثوقة ومتنوعة، وأنصحك هنا بالتوجه إلى قسم الموارد بموقع إتقان، الذي تجد به أهم المصادر المتعلقة بالنصوص القرآنية كمصاحف نصية ومحتوى صوتي، والخطوط، والتفاسير والترجمات، وأحكام التجويد وغيرها من الموارد التي تستطيع الاستفادة منها لبناء تطبيق قرآني دقيق من ناحية المحتوى.
تحديات الرخص القانونية والحقوق الفكرية
من المعروف أن معظم التسجيلات الصوتية لأشهر القراء عليها حقوق نشر لذا يجب التأكد من التراخيص أو الحصول على إذن بالاستخدام؛ أما بالنسبة للمحتوى النصي، فبعضها يسمح بالاستخدام وبعضها لا، لذلك يجب استخدام ترجمات وتفاسير مفتوحة المصدر أو بعد التأكد من الحصول على إذن رسمي أيضًا لاستخدامها في تطبيقك القرآني مفتوح المصدر. وللتأكد من سلامة الرخص أنصحك بمراجعة هذا الموضوع المتاح على المجتمع دليل مطوري التطبيقات الإسلامية لفهم الرخص البرمجية.
صعوبات التعامل مع الرسم العثماني
النص القرآني كما في المصاحف المطبوعة يعتمد الرسم العثماني، وهو رسم خاص يختلف عن الإملاء الحديث. وتمثيله رقميًا يتطلب خطوطًا خاصة ومحركات عرض Rendering Engines متوافقة مع هذا النوع من الخطوط. وبطبيعة الحال، قبل استخدام أي برمجية، لا بد من التأكد من رخصتها. فهل تسمح باستخدامها في تطبيق مفتوح المصدر؟ أم أنها تفرض قيودًا معينة؟
تحديات التصميم وتجربة الاستخدام UX/UI
تشمل التحديات الأساسية هنا الحاجة للدقة في استخدام الرموز المتاحة بالتطبيق، بحيث لا بد من أن تتوافق مع الثقافة الدينية الإسلامية وأن لا تكون معبرة بأي شكل من الأشكال عن أي مفاهيم مرفوضة إسلاميًا أو غير واضح معناها، وهذه تتطلب الدقة في مراجعة وتقييم التطبيق قبل اعتماد تغييراته التي قد يقوم بها شخص آخر كاقتراح لإضافته بهدف تطوير مشروعك مفتوح المصدر. فكما نعلم، التطبيق مفتوح المصدر موجه للتعديل من طرف عدة أشخاص، وجزئية تجربة الاستخدام كغيرها من باقي الجزئيات تُعَد مهمةً جدًا وتشكّل تحديًا يتطلب دقةً عاليةً للتعامل معه.
التحديات المجتمعية والتنظيمية
التطبيق مفتوح المصدر يعتمد على مساهمات المجتمع. هذا يفتح الباب أمام التطوير السريع، لكنه أيضًا يُعرّض المشروع لخطر إدخال أخطاء غير مقصودة أو حتى خبيثة سواءً على نحو أخطاء إملائية، أو غيرها؛ كما قد تكون هناك مشاكل في تنظيم الجهود واستدامة المشاريع، ولتجاوز هذه المشاكل، يمكن ببساطة القيام بما يلي:
- وضع سياسة مراجعة للكود
- إنشاء لجنة إشراف شرعي وتقني لمراجعة المساهمات وقبول السليم منها
- التواجد بمجتمعات رقمية تخص تطوير البرمجيات مفتوحة المصدر، ويمكن بهذا الصدد التواجد بالمجتمعات الإسلامية الموجهة للمطورين مثل مجتمع إتقان للتمكن من:
- جمع المساهمين في مكان واحد للتمكن من الحفاظ على استمرارية تطوير المشروع
- تسريع عملية تطوير المشاريع
- تجنب تكرار المجهودات بما يضمن تطوير المشاريع عوض بناء عدة مشاريع متشابهة تتوقف عند نفس المرحلة
تحديات الموارد
إنشاء تطبيق قرآني يتطلب عدة موارد، سواءً مطورين، مصممين، صناع محتوى، هيئة رقابة شرعية، مدققين، أو موارد للاستخدام، مثل الخطوط والتلاوات والترجمات والتفاسير وغيرها، وهذا قد يكون أحد التحديات الحقيقية التي تواجه منشئي هذا النوع من التطبيقات. لكن الحل لهذه المعضلة هو:
- توفر مكان يجمع بين المسلمين المهتمينن بالتطبيقات القرآنية من مختلف الخلفيات المعرفية مع التركيز على المطورين، ونذكر هنا المجتمعات المخصصة لهذا المجال مثل مجتمع إتقان الذي أكتب به حاليًا هذه المشاركة.
- توفر جهة ممولة وقائمة على المشروع، مكلفة بتوظيف المتخصصين المطلوبين. صحيح ليست كل للمشاريع بحاجة لهذه العملية، لكن أنجحها وأسرعها بالإنجاز بحاجة لها بدون أي شك.
تحديات متعلقة بالمطورين أنفسهم
قد يكون المطورون متمكنون جدًا على الصعيد التقني، وفي نفس الوقت مهتمون بالجانب الديني، لكن خلفيتهم الدينية قد لا تكون كافية لتطوير تطبيق سليم 100٪ بدون إرشاد متخصص، وفي نفس الوقت، قد تكون هناك محاولات لاستغلال هذا الضعف من طرف جهات خبيثة لا يجب السماح لها بتحقيق أهدافها. ولهذا يجب قبل تطوير التطبيق أو المساهمة به، أن تتأكد من:
- التعرف جيدًا على محتوى وهدف التطبيق القرآني المراد العمل عليه والجهة المنشئة له.
- التأكد من اعتماد الجهة المطورة للتطبيق على هيئة مراقبة شرعية للمحتوى واختبار التطبيق.
- التعرف على الحدود اللازم العمل بها وعدم تجاوزها.
- تعريف متخصص شرعي بالعمل الذي ستقوم به، والتأكد منه من الأمور التي يجب أخذها بالحسبان، وما لا يجب الوقوع بخطأ بشأنه.
- تمرير النموذج المطور على متخصص شرعي للتأكد من سلامته. أو الاجتهاد الذاتي لذلك قبل إطلاق التعديلات الفعلية للعامة.
- وإن كنت صاحب التطبيق، فلا بد من اعتمادك على هيئة شرعية متخصصة في اختبار سلامة التطبيق والتعديلات من الناحية التقنية، والشرعية باستمرار.
بهذا أكون قد وضحت أبرز التحديات التي قد تواجه أي مطور أثناء تطويره لتطبيق مفتوح المصدر. لا تنس مشاركتي رأيك! هل تتوقع أن هناك تحديات إضافية تعيق عملية التطوير؟ وما الحل الأنسب لها برأيك؟