يتميّز الرسم العثماني لنصوص القرآن الكريم بخصائص فريدة تختلف عن قواعد الإملاء القياسية المعتمدة في النصوص العربية، ويفرض استخدامه في المصاحف الرقمية عدة تحديات قد تحول دون عرضه بشكل صحيح.
سأناقش في موضوع اليوم أبرز المشكلات والتحديات التي تواجه المطورين عند عرض الرسم العثماني في التطبيقات القرآنية، وأستعرض الحلول المقترحة لحلها.
ما هو الرسم العثماني
الرسم العثماني هو الطريقة التي ارتضاها سيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه لكتابة المصاحف في عهده لتوزيعه على الأمصار، وأصبح هذا الرسم عنصرًا أساسيًا لا غنى عنه لضمان صحة القراءة واللفظ في القرآن الكريم.
يختلف الرسم العثماني عن الكتابة الاصطلاحية أو الرسم القياسي الذي يوافق فيه اللفظ المكتوب القواعد والضوابط الإملائية، في حين لا يلزم في الرسم العثماني موافقة اللفظ للمكتوب.
فيما يلي أبرز أوجه الاختلاف بين الرسم العثماني والقياسي:
- الحذف: حيث يمكن حذف الحرف في الرسم العثماني مع بقائه في النطق، كما في حذف الألف في كلمة سَمَاوَات لتكتب سموت [البقرة: 29]

- الزيادة: وتعني إثبات الحرف في الرسم دون أن يُنطق، كزيادة الواو في كلمة "سأوريكم" [الأنبياء: 37] وزيادة الألف في كلمة "السبيلا" [الأحزاب: 67].
- الهمز: حيث توجد أحكام خاصة في كتابة الهمزات بالرسم العثماني، مثلًا إذا وقع قبل الهمزة أو بعدها واو فلا تكتب على واو كي لا يجتمع واوان، فكلمة "يؤوده" تكتب "يـٔوده" [البقرة: 255].
- الإبدال: إذ يمكن استبدال حرف بآخر مثل كتابة "رحمت" بالتاء المبسوطة بدل المربوطة [البقرة: 218]، أو كتابة كلمة "الصَّلوة" بالواو بدل الألف [البقرة: 3]
- القطع والوصل: إذ تُكتب بعض الكلمات موصولة في الرسم العثماني، بينما تفصل في الإملاء القياسي مثل كلمة "بِئسَمَا" [البقرة: 90]
- ما فيه قراءتان: مثل رسم السين صادًا في كلمة "ويبصط" [البقرة: 245]
وتجدر الإشارة هنا لأن المصاحف الأولى كانت بلا نقاط ولا تشكيل، وهذا قد سبب لبسًا في القراءة خاصة بعد انتشار الإسلام ودخول غير العرب فيه. لذا لجأ المسلمون لوسائل تضبط القراءة فأدخلوا التنقيط لتمييز الحروف المتشابهة وأضافوا الحركات كالفتحة والكسرة والضمة والتنوين، كما أضيفت لاحقًا عناوين السور، وأرقام الآيات، وعلامات الوقف،والتجزئة والتحزيب وغيرها حتى استقر شكل المصحف للشكل المعروف اليوم.
وعلى الرغم من أن أهمية الرسم العثماني في كتابة وقراءة القرآن الكريم، إلا أن اعتماده يشكل تحديًا كبيرًا للمطورين عند محاولة عرضه رقميًا في التطبيقات والبرامج الحاسوبية المختلفة.
أبرز تحديات عرض القرآن الكريم بالرسم العثماني
- استخدام خطوط تدعم الرسم العثماني
- التوافق مع ترميز Unicode
- أشكال الحروف وعرض النص
- اختلاف الروايات
- توافق العرض عبر مختلف الأجهزة والمنصات
- تجربة البحث في النصوص ونسخها
سأناقش هذه التحديات بمزيد من التفصيل في الفقرات التالية.
1. استخدام خطوط تدعم الرسم العثماني
من أبرز التحديات في عرض المصحف رقميًا أن معظم الخطوط العربية المتوفرة صُممت للكتابة الإملائية القياسية، ولا تدعم خصائص الرسم العثماني بدقة. فنصوص المصحف تحتوي على أشكال توضيحة مميزة خاصة بها توضع فوق الحروف أو أسفلها لتوضيح طريقة النطق أو قواعد التجويد مثل الألف الصغيرة، وعلامة المد، وغيرها من الرموز التي لا توجد في الخطوط التقليدية.
ونظرًا لغياب توفّر خط قياسي يغطي جميع هذه الأشكال ويعرض النص القرآني وفق الرسم العثماني، تضطر المشاريع القرآنية إلى الاعتماد على أحد الخطوط الحاسوبية المرخّصة من جهات رسمية مثل خطوط الرسم العثماني التي يصدرها مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف.
2. التوافق مع ترميز Unicode
يشكّل الترميز العالمي الموحد Unicode تحديًا إضافيًا عند التعامل مع نصوص القرآن الكريم. لأن الرسم العثماني لا يقتصر على الحروف العربية العادية، بل يتضمن كما ذكرت سابقًا علامات وأشكالًا خاصة لا تمثلها رموز Unicode مباشرة
للتغلب على هذه المشكلة، يستخدم المطورون حلولًا بديلة مثل:
- استخدام رموز إضافية Variation Selectors تسمح بتحديد الشكل الدقيق للحرف عند وجود أكثر من شكل ممكن له.
- الاستعاضة عن بعض علامات الرسم العثماني بأقرب رمز متاح في Unicode.
- تخزين بيانات وصفية خارجية توضح الرسم الأصلي للحروف والكلمات.
فإذا لم نراعي مسألة التعامل مع الرموز الخاصة أو الحروف المخفية، فقد يؤدي ذلك إلى فقدان معلومات دقيقة عند نسخ النص القرآني أو نقله بين الأنظمة وسيظهر مختلفًا عن النسخة الأصلية. كما أن بعض المحارف المخفية مثل محرف الاتجاه من اليمين لليسار U+200E أو محرف التطويل U+0640 قد تسبب مشكلات في المطابقة مع النصوص الأصلية. لذا، يجب تنظيف الرموز غير المرئية أو تخزينها بطريقة وصفية، مع الحرص على استخدام خطوط تدعم جميع رموز الرسم العثماني لضمان دقة عرض النص الأصلي.
لاحظ في الصورة التالية كيف أثر اختلاف الخطوط على عرض الآية الكريمة بالرسم العثماني، فبعض الخطوط عرضت النص بشكل صحيح ودقيق، بينما تسببت خطوط أخرى بظهور رموز غريبة.

3. أشكال الحروف وعرض النص
تتميز اللغة العربية بكونها لغة متصلة، فأشكال الحروف تتغير بحسب موقعها في الكلمة. وبالتالي يتطلب عرض هذه الحروف رقميًا معالجة خاصة لضمان ظهورها بشكل صحيح بصريًا وفق سياقها داخل الكلمة. لهذا تستخدم التطبيقات محركات تشكيل Shaping Engine مهمتها اختيار الشكل الصحيح للحرف حسب موقعه وربطه بما قبله وما بعده، ثم يضع الحركات فوقه أو تحته في أماكن مناسبة.
يضيف الرسم العثماني تعقيدًا إضافيًا، إذ يتطلب قواعد خاصة لعرض الحركات والرموز القرآنية التي قد لايدعمها ترميز Unicode أو تتباين طريقة عرضها باختلاف الخطوط، وقد تسبب كثافة هذه الحركات والرموز تراكبًا بصريًا أو أخطاءً في تموضعها، كما تحتاج بعض العلامات مثل المدود وعلامات الوقف لمعالجة دقيقة لا توفرها محركات التشكيل الافتراضية. لهذا يعتمد المطورون على محركات متقدمة مثل HarfBuzz و Pango، أو على طبقات عرض أو تصيير Rendering Layers مخصصة لضمان عرضها بدقة.
4. اختلافات الروايات
إلى جانب التحديات التقنية، هناك مسألة مهمة تتعلق بالروايات المختلفة للقرآن الكريم، فبعد أن جمع سيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه المصاحف، سمح بتعدد بعض القراءات فبعض الكلمات قد تُقرأ بأشكال مختلفة، لكن دون تغيير المعنى.
تتبع كل نسخة مطبوعة من المصحف عادةً رواية واحدة مثل رواية حفص أو ورش أو قالون. وبالتالي فإن التطبيق الذي يعرض نصًا برواية حفص قد يحتاج لتعديلات بسيطة من أجل عرض نص برواية ورش مثلًا، لأن بعض الحروف أو العلامات فيها قد تختلف قليلًا.
لذا على المطور أن يقرّر أي رواية قرآنية سيعتمدها في تطبيقه، أو يوفر نسخًا متعددة من الروايات ليتناسب مع تنوع جمهور التطبيق، ولاشك أن دعم أكثر من رواية سيزيد صعوبة العمل وحجم الاختبارات المطلوبة للتأكد من أن كل شيء يظهر صحيحًا في كل رواية.
5. توافق العرض عبر مختلف الأجهزة والمنصات
عند عرض المصحف بالرسم العثماني على أجهزة مختلفة أو في متصفحات متعددة، قد تظهر مشكلات في طريقة العرض، على سبيل المثال قد لا تتصرف الحروف أو الوصلات بينها أو الرموز الخاصة بنفس الطريقة في كل جهاز، وقد يختلف ترتيب الحركات أو طريقة ظهور الخطوط من منصة لأخرى. لذا من الضروري اختبار التطبيق على عدة أجهزة ومتصفحات للتأكد من أن كل شيءٍ يظهر دائمًا كما يجب.
6. البحث في النص ونسخه
عند التعامل مع النص القرآني بالرسم العثماني، يجب على المطورين الانتباه جيدًا لتجربة البحث في النص وتجربه نسخه ولصقه، فعندما يبحث المستخدم في تطبيق قرآني يعتمد الرسم العثماني عن كلمة معينة مثل "لِأَمَانَاتِهِم" فالمتوقع أن يكتبها بالصيغة الإملائية القياسية، بينما تظهر الكلمة في التطبيق بهذا الشكل "لِأَمَٰنَٰتِهِم"، وبالتالي لن تظهر له نتائج إذا لم يوفر طريقة مناسبة للربط بين الرسم العثماني والرسم القياسي للكلمة. لذا نجد أن معظم محركات البحث القرآني التقليدية تعتمد على البحث وفق جذر الكلمة لتسهيل العثور على النتائج وتجاوز الاختلافات في الرسم.
أيضًا عند نسخ النص من المصحف إلى محرر نصوص عادي، قد تتحول بعض الرموز إلى رموز Unicode قياسية أو العكس إذا لم يُضبط الترميز بشكل صحيح، ما قد يؤدي إلى فقدان بعض العلامات أو حدوث تغييرات غير مرغوبة في النصوص، لذا على المطور توفير حلول تضمن سلامة النص القرآني عند نقله بين تطبيقات مختلفة. مثلًا قد تتطلب بعض التطبيقات مثل تطبيق لوح مفاتيح القرآن الكريم توفر خط الرسم العثماني في التطبيق الذي يُدخَل إليه النص حتى يتمكن المستخدم من الكتابة بالرسم العثماني بشكل صحيح.
كانت هذه أبرز التحديات في عرض القرآن بالرسم العثماني رقميًا. هل سبق وواجهتم أحد هذه التحديات أو غيرها عند تطوير تطبيقاتكم؟ وكيف تغلبتم عليها؟ نسعد بمشاركة تجاربكم وحلولكم.